﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ {هود/115}
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ {لقمان/17}
بهَذِهِ الآياتِ وَمَثِلاتِها خَاطَبَنَا رَبُّ العِزَّةِ لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنا سَنُوَاجِهُ ابتِلاءاتٍ كَثِيرَةً وَمُتَنَوِّعَةً فِي هَذِهِ الحَيَاةِ . وَسَمِعْنَا عَنِ السَّلَفِ رِوَاياتٍ عَدِيدَةً تُنِيرُ لَنَا الدَّرْبِ وتَجْعَلُنا أَقْدَرَ عَلَى مُواجَهَةِ مَا يُؤْلِمُنا، وَفِي حَيَاةِ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ كَثِيرًا مِنَ المَوَاقِفِ التي صَبَرَ فِيهَا وَصَبَرُوا فَكَانَ لَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مَشَاهِدُ قُوَّةٍ وَعظَمَةٍ أَنْتَجَتْ دَوْلَةً قَوِيَّةً انتَصَرَتْ وتَحَدّتْ أَقْوَى الدُّوَلِ، لأَنَّهُم كَانُوا عَلَى ثِقَةٍ باللهِ منْهَا استَمَدُّوا خُيُوطَ قُوَّتِهِمْ وعَزِيمَتِهِمْ وَصَبْرِهِمْ .
وَأّكَّدَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالي أَنّهُ لا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ مُصِيبَةٍ وَمُكَابَدَةٍ بِقَوْلِهِ :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ {البلد/4}
لذا عَرَّفَ القُرْطُبِيّ المُصِيبَةَ بِقَوْلِهِ : هِيَ كُلُّ مَا يُؤْذِي المُؤْمِنَ وَيُصِيبُهُ.
وَإِنْ صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ كَانَ لَكَ الأَجْرُ الجَزِيلُ مِنَ اللهِ تَبَارَك وَتَعَالَ ى. فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَة يَشاَكهَا (في الصحيحين ) . وَجَاءَتْ كَلِمَةُ (مُصِيبَةٍ) هُنَا نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِتَعُمَّ كُلَّ مُصِيبَةٍ تَلُمُّ بِالمُؤْمِنِ وَإِنْ صَغُرَتْ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍ وَلا سَقَمٍ وَلا حُزْنٍ حَتَّى الهَمّ يَهُمُّهُ إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ. (صحيح مسلم)
رُوِيَ أَنَّ الحُمَّى أَصَابَتْ أَهْلَ قِبَاء وَلَقُوا مِنْهَا مَا لَقُوا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللهَ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ صَبَرْتُمْ فَتَكُونُ لَكُمْ طَهُورًا قَالُوا : فَدَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ .
وَرُوِيَ أَيْضَا أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ تَسْأَلُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا أَنْ يَشْفِيَهَا اللهُ مِنَ الحُمَّى، فَقَالَ لَهَا : إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ لَكِ فَيَكْشِفُ عَنْكِ وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَتَجِبُ لَكِ الجَنَّة ُ. قَالَتْ : بَلْ أَصْبِرُ وََلا أَجْعَلُ وَاللهِ لِجَنَّتِهِ خَطَرًا. (رَوَاهُ البُخَارِيّ)
وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ لِي ، قَالَ : إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكَ ، فَقَالَتْ : أَصْبِرُ وََلَكِنْ ادْعُ لِيَ اللهَ ألا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا. (رَوَاهُ البُخَارِيّ)
وَعَنْ زَيْدٍ بنِ الأَرْقَم أَنَّهُ قَالَ : رَمِدَتْ عَيْنَايَ ، فَعَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا زَيْد أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَيْنَكَ ذَهَبَ نُورُهَا كَيْفَ كُنْتَ تَصْنَعُ ؟ قُلْتُ : أَصْبِرُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ كَانَ ثَوابُكَ الجَنَّةَ . (أخرجه البيهقي)
وَقَالُوا يُسْتَحَبُّ لِلمَرِيضِ احْتِسَابُ المَرَضِ وَأَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ وَيَتَحَمَّلَ وَجَعَهُ وَيَشْكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ المَرَضَ سِجْنُ اللهِ الذِي بِهِ يُعْتَقُ المُؤْمِنُ مِنَ النَّارِ، وَيُكْتَبُ لَهُ فِي مَرِضِهِ أَفْضَلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ فِي صِحَّتِهِ، وَإِنَّ سَهرَ لَيْلَةٍ مِنْ مَرَضٍ أوْ وَجَعٍ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّ أَنِينَ المُؤْمِنِ تَسْبِيحٌ وَصِيَاحَهُ تَهْلِيلٌ، وَنَوْمَهُ عَلَى الفِرَاشِ عِبَادَة، وَتَقَلُّبَهُ مِنْ جَنْبٍ إِلَى آخَرَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ عُوفِي مَشَى فِي النَّاسِ وَمَا عَلَيْهِ ذَنْبٌ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ اشْتَكَى فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرَ أَلْفِ شَهِيدٍ، إلى غير ذلك ......
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: يُكْتَبُ أَنِينُ المَرِيضِ حَسَنَاتٌ مَا صَبَرَ، فَإِنْ جَزِعَ كُتِبَ هَلُوعاً لا أَجْرَ لَهُ . وَلَيْسَ مِنَ الشَّكْوَى وَالجَزَعِ بَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ الحُمَّى وَالمَرَضِ وَسَهَرِ الليْلِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنّمَا الشَّكْوَى أَنْ يَقُولَ: قَدِ ابْتُلِيتُ مَا لَمْ يُبْتَلَ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ أَصَابَنِي مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدٌ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
وَأَنْتِ يَا حَنَان ! عَهِدْنَاكِ كَبِيرَة كَبيرَة ومُمَيَّزَة في كُلِّ تَصَرُّفَاتِكِ وأَعْمَالِكِ ، وَإِن شَاءَ اللهُ يَزُولُ كُلُّ هَذَا التَّعَبِ وَهَذَا الألَمِ وَيُصْبِحُ ذِكْرَى أَهَمُّ مَا فِيهَا أَنَّكِ كُنْتِ أَقْوَى كَثِيرًا مِمَّا تَوَقَّعْنَا. نَعْرِفُ حنان أَنَّ الذِي قَوَّاكِ فِي هَذِهِ الأَزْمَةِ ثِقَتُكِ الكَبِيرَةُ بِاللهِ واعْتِمَادُكِ عَلَيْهِ وَصَبْرُكِ عَلَى هَذا المَرَضِ اللعِينِ .
أَفْتَخِرُ بِكِ حَنَان ، وَيَفْتَخِرُ بِكِ كُلُّ مَنْ تَعَامَلَ مَعكِ ، مِنَ الأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ وَزُملاءِ العَمَلِ، حَتَّى الطَّالِبَاتِ الصَّغِيراتِ اللآئي نَطَقْنَ مَعَكَ بسُهُولَةِ ومَحَبَّةٍ أَبْجَدِياتٍ لُغَةٍ عَصَيّةٍ عَلَى الكِبَارِ يَتَذَكَّرَونَك كَثِيرًا هَمْ وَأَهْلَهِمْ ، وَيَتَذَكَّرَونَ كَيفَ أَثْبَتِّ أَنَّنَا نَستَطِيعُ عَمَلَ الكَثِيرِ لِهَذا النَشْءِ ، وأَنّهُم بَقَليلِ مِنَ الجُهْدِ مِنَّا يَكونون كَمَا نُحِبُّ وَنَشْتَهِي ، وَيُعْطُونَنَا أَكَثَرَ مِمَّا نَتَوَقَّعُ لَوْ أَخْلَصْنَا قَليلا فِي التَّعَامُلِ مَعَهُم كَمَا فَعَلْتِ أَنْتِ .
أَفْتَخِرُ بِكِ حَنَان ، فَلَمْ يَشْكُلْ عَلَيَّ أَيُّ أَمْرٍ إلا وَوَجَدْتُ عِنْدَكَ مَا يَحُلُّ الإِشْكَالَ ويُوَضِّحُهُ لي ، فَقَدْ كُنْتِ ولا زِلْتِ مُوْسُوعَةً فِي كُلِّ شيء ، أَسْتَغْرِبُ كَيْفَ جَمَعْتِ كُلَّ هَذَا بِهُدُوءٍ وَبَسَاطَة ، وَأَسْتَغْرِبُ مِنْ غَزَارَةِ المَعْلُوماتِ وتَنَوّعِهَا عِنْدَكَ ، وَأَسْتَغْرِبُ مِنْ قُدْرَتُكِ عَلَى تَحَمُّلِ الأَشْياءِ مَهْمَا كانتْ وَالأَشْخَاص مَهْمَا كَانُوا ، لِذَا أَتَوَقّعُ منكِ الكثيرَ فِي فَتْرَةِ مَرضِكِ وَبَعْدَ نَقَاهَتُكِ مِنْ مَرِضِكِ .
وأَطْمَعُ يَا حَنَانُ أَنْ تُعْطِينَا مِنْ وَقْتِكِ دَقَائِقَ قَلِيلَةً حينَ تَكُونِينَ مُرْتَاحَةً لِتَكْتُبِي لَنَا هُنَا مَا يُطَمِّنُنَا دَوْمًا عَلَيْكِ . أَعْرِفُ أَنَّنِي وكَثِيرًا مِنْ أَحِبَّتَكِ نُرِيدُ التَّوَاصُلَ مَعَكِ وَمَعْرِفَةَ أَخْبَارَكِ لحْظَةً بلَحْظَة ، لكنْ نَخَافُ أَنْ يَكُونَ اتصالُنَا في وَقْتٍ غَيْرِ مُنَاسِبٍ لَكِ ، وحَتَّى بِاتِّصَالِنَا نُكَرِّرُ لَكِ الأَسْئِلَةَ نَفْسَهَا ، وَهَذَا قَدْ يُتْعِبُكِ أَوْ يُشْعِرُكِ بِالمَلَلِ ، لِذَا قَدْ يَكُونُ فِي هَذَا المَوْقِعِ كَثِيرٌ مِنَ الرَّاحَةِ لَنَا حيْثُ نَكُونُ مَعَكِ أَوَّلا بِأَوَّل، فَلا تَتَخَيَّلِي كَمْ يُؤَثِّرُ فينَا كَلامُكِ وَالتّوَاصُلُ مَعَكِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي هَذَا بَعْضُ الرَّاحَةِ لَكِ لأَنَّنَا نَشْعُرُ أَنَّكِ تَهْتَمِّينَ بِنَا جَمِيعًا وَتُحَاوِلِينَ دَائِمًا أَنْ تَتَعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِنَا وَنَحُسُّ بِهَذَا .
لِكُلِّ هَذَا خَطَر بِبَالِي هَذِهِ الفِكْرِةُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتْعِبَةً لَكِ سَتَكُونُ مُتَنَفَّسًا لَنَا للتَّوَاصُلِ مَعَكِ ، فََما زَالَ هُنَاكَ طَرِيقٌ طَوِيلٌ جَمِيلٌ لَنَا مَعَكِ .
وَاسْلَمِي حَنَان .....
اسْلَمِي لِهَذَا الوَطَنِ الذِي تَضَعِينَ بَصْمَةً
كَبِيَرةً مُمَيَّزَةً عَلَيْهِ ......
اسْلَمِي لِجَميع أَحِبَّتُكِ ......
اسْلَمِي لِكُلِّ مَنْ يَسْأَلُ عَنْكِ ......
اسْلَمِي لِكُلِّ مَنْ تَأَثَّرَ بِمَا أَلَمَّ بِكِ ......
اسْلَمِي لَنَا جَمِيعًا ......
اسْلَمِي لِي ......
لأُخْْتُكِ التِي نَافِذَة الشَّرَبَاتي
الخليل - فلسطين
السبت : 15/ 3 / 2008
nafitha_sh@hotmail.com
* * * * *
* اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ
اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ
شِِفَاء لا يُغَادِرُ سَقَمًا.
* أَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ
أَنْ يَشْفِيَكِ يَا حَنان. . . .
* * * * * * * * *
نَسْتَميحُكُم عُذرًا ....
سَنُوقِفُ التَّعْليقات عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ . حَيْثُ أَنَّهَا أَصْبَحَتْ تَأْخُذُ وَقْتًا طَوِيلا فِي التَّنْزيلِ .
سَتَكُونُ التَّعْليقَاتُ الجَدِيدَة تَابِعَةً لِرَسَالَةِ "تََهَانينَا حنان" ، وَهِي الرِّسَالَة السَّادِسَةِ وَالأرْبَعُونَ فِي هَذِهِ المُدَوَّنَة .
قَدْ يَأْخُذُ هَذَا الأمْرُ مِنْكُمْ وَقْتًا حَتَّى تتَعَوَّدُوا عَلَيْهَا ، لََكِنْ أَتَوَقَّعُ أنَّنَا سَنَخْتَصِرُ وَقْتًا طَويلا ، وَهُوَ وَقْتُ تَنْزيلِ صَفْحَاتِ التَّعْليقاتِ ، وَسُوَيْعَاتُ رَمَضَانِ الكَرِيمِ لا تَتَحَمَّلُ تَضْيعَ الوَقْتِ بانْتِظَارِ إِكْمَالِ التَنْزيلِ ....
فَسَامِحُونَا عَلَى هَذَا التَّعْديلِ ...
ولا تَنْسُونَا فِي فَضْلَةِ دُعَائِكُم .......
سَنُوقِفُ التَّعْليقاتِ عَلى هَذِهِ الرِّسَالَةِ وَنَبْدَأُ بِنَقْلِ التَّعْليقاتِ إِلى الرِّسَالَةِ المَذْكُورَةِ مِنَ الآن .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * *
* * * لِلتَّوَاصُلِ مَعَ حَنَان * * *
وَمُشَاهَدَةِ التَّعْلِيقَاتِ الرَّئيسَةِ
اضْغَطْ : [ ]
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *