01‏/06‏/2010

118 -- عَنْ قُرْبٍ

نَائِل البَرْغُوثِي عَنْ قُرْبٍ ..

جاءت أسماء النقليات من سجن عسقلان إلى سجن إيشل بئر السبع وبدأ الشباب كل يرسل سلامه إلى الأسرى في السجن الجديد. أسم تكرر عند الجميع وشددوا على إيصال سلام خاص له هو نائل البرغوثي _أبو النور_ عميد أسرى العالم. صورته في المخيلة بعد أن أمضى اثنان وثلاثون عاما في الأسر،لابد أن السجن قد أكل عليه وشرب،هذه الصورة سرعان ما تبددت في حفل التعارف للأسرى الجدد. فإذا بي أمام شاب في ريعان الشباب يضج حيوية

تنظر إليه فتشعر أنك أمام فلاح فلسطيني أصيل بكل معنى الكلمة يتحدث بلهجة كأنه جاء من بلدة كوبر -رام الله بالأمس القريب. يتحدث عن الأرض والأشجار والزراعة بعشقٍ، دائم الابتسام والمرح مع الجميع، وتلمس التواضع حين يسرع بالتعرف إلى كل أسير جديد، والغالبية منهم قد ولدوا بعد اعتقاله. ويتابع أدق تفاصيل الحياة في البلاد ويهتم بكل حدث أو خبر يجري على هذا الأرض.ولا غرو، فهذا حال المحبين يترقبون أي خبر عن المحبوب

راح يسألني عن أخبار الخليل ومجريات الأمور فيها وعن أسماء العديد من الأسرى الذين مروا في هذه السجون .أخبارهم.. أحوالهم وحتى أفكارهم .. وهكذا مع كل أسير يسأله عن بلده وأهلها .. يهتم بتفاصيل الأحداث وما وراءها

إذا خرجت إلى فورة الرياضة _وهي فترة يسمح فيه للأسير بلعب الرياضة _ الساعة السابعة صباحا_ فأبو النور أحد المواظبين على الخروج تراه يركض كل يوم وكأنه ابن العشرين ،يمارس التمارين وهو يضع السماعات في أذنيه لا يريد أن يفوته أخبار الصباح. وفي دورة كرة السلة الأخير في المباراة الأولى _أوائل شهر نيسان الحالي_ حيث اعتاد الأسرى على تنظيم بطولات رياضية تنافسية فيما بينهم يفوز فريق أبو النور بفارق كبير ويسجل هو شخصيا أكثر من نصف أهداف الفريق. وحينما نلعب تنس الطاولة يقول لي بتحدي: لا أعرفك ولا تعرفني. بالرغم من العلاقة المميزة بيننا، يفوز مرة وأفوز أخرى ولا يزال التحدي قائما

أما من الناحية السياسية، فحدث ولا حرج ، تاريخ فلسطين، تاريخ الحركة الوطنية ، تاريخ الحركة الأسيرة، النظرة الثاقبة المتوازنة للأمور ، الصمود والثبات , كلها مفردات تجدها وافرة عند ذلك الرجل حين يحدثك عن الواقع الحالي أو مفاصل الحركة الوطنية تشعر أنك أمام شاهد على العصر ، له نظرة تحليلية ناقدة مستفيدة من تجربة الشعوب الأخرى في مسيرتها نحو التحرر الوطني. يضع الأمور في سياقها التاريخي وضمن تسلسلها المنطقي وأحيانا كثيرة يفاجئك بتفاصيل دقيقة لم تتناولها وسائل الإعلام لتتضح صورة كانت غائبة

وله العديد من المواقف الصلبة المبدئية ، خالف التيار السائد حينها ثم لم تلبث الأمور ان انجلت عن صدق رؤيته، ومن ضمن هذا العطاء لا يزال أبو النور يدرس الأسرى عن جغرافيا فلسطين ويزدحم الأسرى لتسجيل هذا المساق معه ، فتلمس شاعرا يغازل محبوبته حيت يصفها .. وترى وفاء لكل شبر وكل خربة وكل قرية ، فيخيل لك أنه زار كل تلك البقاع وعاش فيها وهو الذي اعتقل ولم يتجاوز الواحد والعشرين من العمر

في الحفل الذي أقامه الأسرى كإشارة وفاء لرمز الوفاء قال في تواضع صريح "إن كل ما قدمناه بسيط أمام ما قدمه غيرنا" ينظر إلى نفسه كجندي في جيش ذهب أكثره إلى دار الحق.. والمسيرة مستمرة بالتعاون مع كل الشرفاء

فإلى عميد الأسرى أقول: لك مني التحية والوفاء وأنت تدخل عامك الثلاث والثلاثين في سجون الاحتلال وأسأل الله أن يكون الفرج عنك وعن كل إخوانك قريبا إنه مجيب الدعاء

نشر السـبت 05/06/2010 الساعة 17:46

د.أمجدالحموري - سجن بئر السبع