29‏/08‏/2010

121 - هَلْ مِنْ أَمَلٍ أَيُّهَا الشُّقَيْرِيّ؟


هَلْ مِنْ أَمَلٍ أَيُّهَا الشُّقَيْرِيّ؟


فعلا أصبنا بالإحباط و نحن نشاهد التجربة اليابانية التي نحتاج لسنوات و ربما قرون كي نقلدها ناهيك أن نتفوق عليها، و لكن بحيلة العاجز قلنا: شعب مختلف و حضارة مختلفة و ثقافة و مقدرات مختلفة، و المثال لا ينطبق و طوينا الصفحة، و انتقدنا خواطر 5 و شجبنا فكرة العمل!!!

فقال الشقيري لا بأس، نلاحق العيار إلى باب الدار و نقيم الحجة هذه المرة في خواطر 6 على العرب من العرب أنفسهم، و نحاول النفخ في مواتهم باستحضار أرواح أجدادهم العلماء و القادة و إنجازاتهم الحضارية، و لا ندري هل وضع الشقيري في حساباته أن الخيبة و الإحباط سيكونان أكبر بين ما كنا و ما صار حالنا إليه؟ من من الأجيال الشابة يستطيع أن يرى نفسه في ابن سينا و ابن الهيثم و الرازي أو الجزري أو صلاح الدين الأيوبي و غيرهم و غيرهم؟ هل تكفي أمثلة متناثرة و تجارب صغيرة في حاضر العالم العربي و الإسلامي موزعة هنا و هناك لخلق حالة عامة من النهضة و التطور؟ ماذا ينفعنا ذلك التاريخ المجيد و نحن في الحاضر لسنا إلا ذيولا تتبع لكل من قاد الركب و لو الى الهاوية؟

ممسوخون في العقل و المنطق و الهوية و لو رآنا أجدادنا القدامى لأعلنوا البراءة منا فنحن بالنسبة لهم كما كان ابن نوح عليه السلام ولد عاق فقال فيه سبحانه و تعالى" يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح"

و صدق الرصافي إذ قال:

و ما يجدي افتخارك بالأوالى إذا لم تكتسب فخرا جديدا

فشر العالمين ذوو خمول إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا

فهل إن كان حاضرنا شقيا نسود بكون ماضينا سعيدا؟

و خير الناس ذو حسب قديم أقام لنفسه حسبا جديدا

و عاشوا سادة في كل أرض و عشنا في مواطننا عبيدا

إذا ما الجهل خيم في بلاد رأيت أسودها مسخت قرودا

ما ينفعنا أن نعرف أسماءهم و اختراعاتهم و نحفظها كما نحفظ الدروس في المدارس إذا لم نمشِ على خطاهم في التعلم و العمل؟ هل الهدف الاختراعات و الاكتشافات أم تربية الجيل الذي سيأتي بها فيصبح الاختراع و التقدم المادي حاصل تحصيل و أمرا مفروغا منه في وجود العامل الأهم و هم البشر؟

هو الإحسان الذي ركز عليه الشقيري في خواطر 6 قبل الإختراعات و الانجازات، الإحسان هو الذي يربي الإنسان و يجعل منه فردا صاحب رسالة يعلم أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه فيظل يحسن و يتابع حتى يحصل درجة الإتقان فتكون سلمه لإدراك محبة الله، و هي حلقة متصلة لا نحصل النتائج فيها الا بتقديم الأسباب

هو الإحسان الذي جعلهم يتعبدون بإقرأ، و نون و القلم و ما يسطرون، و إن في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب، يتعبدون بها بتحويلها الى منهج حياة يلمس الناس بركته و خيره في واقعهم إعمارا و إصلاحا لا مجرد حروف تُتلى الحسنة فيها بعشر أمثالها

هو الإحسان الذي جعلهم يرون في أنفسهم جنود نهضة الأمة، كل في ميدانه، و لا يتركون ثغورهم الا في حالة النصر حتى لا تُؤتى الأمة من قِبلهم و بسبب تقصيرهم

هو الإحسان الذي جعلهم يعرفون أن أعمارهم قصيرة،ما بين الستين و السبعين، فاستغلوها أعظم استغلال فمات الإمام فخر الدين الرازي عن ثلاث و ستين سنة و ترك وراءه مائتي كتاب من تأليفه، بينما ألف ابن تيمية خمسمائة مجلد و مات في السابعة و الستين، و قيل أنه كان يقول لحفيده عبد الرحمن إذا دخل الخلاء" اقرأ في هذا الكتاب و ارفع صوتك حتى أسمع" حتى لا يضيع عليه الوقت دون تعلم، و كان إذا مرض أو حمى ترك الكتاب عند رأسه، فإذا أفاق قرأ فيه، فدخل عليه الطبيب يوما و هو كذلك فقال: إن هذا لا يحل لك، فرد عليه" لا أصبر على ذلك و أنا أحاكمك الى علمك، أليست النفس إذا فرحت و سرت قويت الطبيعة فدفعت المرض؟ فقال بلى، فقال ابن تيمية: فإن نفسي تسر بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحة، فقال الطبيب:هذا خارج عن علاجنا"

أين نحن من هؤلاء و احصائيات تقرير المعرفة العربي لعام 2009 تبين أن ثلث عدد السكان الكبار في العالم العربي أي ما يعادل نحو 60 مليون إنسان عاجزون عن القراءة و الكتابة، أي أمييون بالمعنى التقليدي للأمية،و تسعة ملايين طفل في سن الدراسة غير ملتحقين بالدراسة،و حاصل توزيع عدد الكتب المنشورة في العالم العربي على عدد السكان يكشف أن المتوسط لدينا هو كتاب لنحو 20 ألف مواطن، و قائمة الخمسمائة جامعة الأوائل على مستوى العالم تخلو من أي جامعة عربية

لن نصنّع الذرّة عندما نقرأ صفحة من كتاب كل يوم، أو نختم كتابا جديدا كل شهر و لكننا سنتقدم خطوة للأمام، لن نخترع المفاعل النووي إذا تعلمنا كيف نقف بالدور و ننظم صفوفنا، و لكننا بالتأكيد سنرهب أعداءنا، فقد قالت جولدامائير: خافوا من العرب بعد اثنتين: إذا تعلموالإصطفاف، و إذا كان عدد صفوفهم في صلاة الفجر كعددها في صلاة الجمعة

لن يأتي النصر دفعة واحدة إذا تعلم الموظفون أن يحسنوا في أعمالهم و ينجزوا حاجات الناس، و لكن الله سيأخذ بأيدنا نحوه، فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه

و لكننا أيضا لن نتقدم و مازال الربا و الرشوة و الانحلال سائدين في مجتمعاتنا، فالفساد لا ينتج نهضة، و الله طيب لا يقبل الا طيبا

ماذا ينفعنا أن تذكرنا بأنواع المهلبية الثمانية التي كان العرب يأكلونها و يتفنون في صنعها بعدما اكتفت حاجاتهم الأساسية فأبعدوا في صناعة المقبلات و المشهيات و المشروبات، و انطلقت آفاقهم من ضيق سد الحاجة الى الاستمتاع بالطيبات، و نحن الآن نرى العرب تبعا في معظم الصناعات الغذائية يستوردون معظم ما يأكلون بالرغم من خصوبة أراضيهم، بل و يموت البعض جوعى يحلمون برغيف عيش و بلادهم بلاد القمح و الشعير و الحنطة؟!

نحن الآن عاجزون عن الاختراع تماما حتى في مجال الطعام و الشراب، و للمثال ينتشر في المملكة السعودية،و التصريح مقصود، شراب يعرف بسعودي شامبين Saudi Champagne، و هو مصنوع من التفاح و الليمون يضاف إليه قطع التفاح و شراب شعير غير كحولي ليصبح غازيا! هل ذاق بنا الحد في بلاد الحرمين مهد الإسلام و ركنه المكين و ذاقت بنا الأسماء و المسميات فما وجدنا اسما لمشروب جديد سوى اسم مشتق من أنواع الخمور التي يعتبر شربها من الكبائر في الإسلام؟ هل نسينا أننا فضلنا على الأمم جمعاء بزمزم التي شربها شفاء و بركة و عافية و إجابة للدعاء؟

هل وصل التردي بأبناء العرب و جدهم آدم عليه السلام كان أول من كساه الله في الجنة مرة بعد الخلق و مرة أخرى بعد التوبة، و أجدادهم العرب من أبدعوا في صناعة الغزل و النسيج أن يرتدوا ملابس تحمل شعارات لا يفهمونها تذم العرب و المسلمين، و تجعل من آي القرآن الكريم إطارات و أشكالا للزينة لمجرد أن عليها اسم المصمم العالمي الفلاني أو شعار ماركته!

هذه أشياء بسيطة فكيف بالعظيمة و العماء مهانون في بلادنا، و قد يحصل موظف في بنك ربوي أو ملهى ليلي أكثر مما يحصلون! و استاذ المدرسة أصبح مدعاة للسخرية و الطلاب يقولونها له صراحة: نحن من يوظفك و يدفع راتبك!

قيل" قبيح بذي العقل أن يكون بهيمة و قد أمكنه أن يكون إنسانا، أو يكون إنسانا و قد أمكنه أن يكون ملكا" فأي هؤلاء نحن؟

لقد اتسع الخرق، فهل من أمل أن الرتق ما زال ممكنا؟؟

ما زال الطريق طويلا يا شقيري، و لكن الخواطر بالتأكيد خطوة في الإتجاه الصحيح، و هي ذكرى لمن تنفعه الذكرى من المؤمنين

و صدق أمير الشعراء شوقي إذ اقال:

فعلم ما استطعت لعل جيلا سوف يأتي يحدث العجب العجابا

و لا ترهق شباب الحي يأسا فإن اليأس يخترم الشبابا

فرب صغير قوم علموه سمى و حمى المسومة العرابا

و كان لقومه نفعا و فخرا و لو تركوه كان أذى و عابا

د.ديمة طارق طهبوب