27‏/04‏/2011

133 - خَواطِر وَمَشاعر مُجاهِد ديرانية


خَوَاطِر وَمَشَاعِر

(3)

أُعْجُوبَة الزَّمَان

الثورة السورية كانت مفاجأة من العيار الثقيل، فقد كُبت هذا الشعب الأبيّ فسكت حتى ظن الناس أنه لا يثور، واشتد الظلم على هذا البلد الطيب وكُبِّل بالقيود، وطال ليلُه حتى استيأس أهله من طلوع فجر جديد.

لكن الله الكريم أراد غيرَ ذلك، فإنه لمّا تحرك الرجال الأبطال لتغيير هذا الواقع الكئيب على الأرض جاءهم التوفيق والنصر من السماء. إن الله آلى على نفسه أنه لا يغير ما بالناس حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأيُّ تغيير في النفوس أكبرُ من التغيير الذي نراه اليوم في أهلنا في ديار الشام؟ أولئك الذين تشكلوا في رحم الخوف، ووُلدوا في زمن الخوف، ونشؤوا في بلد الخوف، طَعِموا الخوفَ مع الطعام وشربوا الخوف مع الشراب وتنفسوا الخوف مع الهواء، ثم انتفضوا ذات صباح وقالوا: لا خوف بعد اليوم... وما لبثوا أن صنعوا الأعاجيب التي أذهلوا بها الدنيا!

إنهم لمّا غيروا أنفسَهم هذا التغيير العظيم بدأ القانون الإلهي يعمل معهم: {إنّ الله لا يُغيّرُ ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم}... لمّا غيروا ما بأنفسهم من خوف وإحجام إلى شجاعة وإقدام، ومن سلبية وتخاذل إلى إيجابية وعمل، ومن سكون وتواكل إلى ثورة وحركة، لمّا صنعوا ذلك تغير الواقع من حولهم، فكثّر الله قليلَهم وسهّل سبيلَهم، وبارك في إقدامِهم وثبّت على الحق أقدامَهم، ونقل الخوف والرعب من قلوبهم إلى قلوب أعدائهم... ولن يَخذلهم قانونٌ وضعه الله في الكون إن شاء الله.

إذا كان ذلك الرجل الشهير قد هرم من أجل هذه اللحظة فأنا أيضاً هرمت وأنا أنتظرها، هرمتُ ولم تأتِ فأيِسْت، فإن الأمل يُضني النفسَ إذا طال، واليأس إحدى الراحتين. كدت أوقن أني أودّع الدنيا قبل أن أرى يوم فرج، وظننت أني أموت ولا أرى قاسيون... ثم جاءت هذه المعجزة، معجزة الرجال الأبطال في ديار الشام! وفجأة تدفق الأمل إلى القلب الخاوي فبدأ ينبض بالحياة، فقد أشرقت على سوريا شمسُ يوم جديد وبدأ ينحسر عنها ظل ليل طويل، وأيقنت أن هذه الأمة لن تموت.

لا والله ما ظننت أني أعيش حتى أرى هذه اللحظة، لكنكم أنتم أوقدتم سُرُج الآمال، فبارك الله فيكم يا شرفاء الرجال، بارك الله فيكم يا أهل سوريا الأبطال.

(4)

الجَسَدُ الوَاحِد

بعد أن أعيت انتفاضةُ الشعب السوري الأبيّ نظامَه المجرم بزخمها وانتشارها تفتقت عبقريته الاستثنائية عن الحل: بما أن قدرته على إخماد الثورة العارمة في سوريا كلها أمر مستحيل ويحتاج إلى قوات أمنية لا يملك -في أحسن الحالات- أكثرَ من ربعها، فليركز إذن جهدَه وقوّته وبطشه في منطقة واحدة ويرجئ الأخريات، فإذا فرغ منها انتقل إلى التي بعدها، وهكذا إلى أن ينتهي من هذا الصداع ويغلق إلى الأبد أبوابَ الثورة والغضب. أليس هذا ما فعله من قبل؟ ألم يضرب دمشق وحدها وحلب وحدها وحماة وحدها؟ فليكرر إذن خطة الأمس الغابر لحل مشكلته في اليوم الحاضر.

ولكن هذا النظام نسي أن ثيران الحظيرة -كما تراها عيناه- قد قرأت القصةَ من قبل وحفظتها عن ظهر قلب، فهي تقول له اليوم: تلك كانت حِيَلَك للقضاء على غضبات الأمس البعيد، فابحث عن غيرها لغَضْبة اليوم الجديد. لن نسمح لك بأكل الثور الأبيض بعد اليوم!

هذا من منظور النظام الذي يرى الشعب أبقاراً وثيراناً في حظيرة يورّثها الآباءُ للأبناء، أما بقر الحظيرة فيردّ فيقول: بل نحن بشر، لنا شِرعة ولنا دين، وفي ديننا وشِرعتنا أننا جسد واحد، إذا أوذي عضوٌ فيه انتفضت سائرُ أعضائه بالنجدة كما يتداعى الجسد كله للعضو المريض بالحُمّى والسهر... وصدق رسولنا الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم.

ضربوا درعا وظنوا أن المدن الأخرى لن تفتح فمها بشكوى ما دامت تعيش في أمان، فخرجت الجموع في حمص واللاذقية والقامشلي تهتف: "بالروح بالدم نفديكِ يا درعا". فاضطرب أمرهم وقالوا: لنترك درعا ونضرب حمص إذن. وفعلوا، فخرجت درعا ودوما وبانياس تنادي: "بالروح بالدم نفديكِ يا حمص". فحولوا الضرب إلى بانياس فخرجت حوران والغوطة وحماة وجبلة تصيح: "بالروح بالدم نفديكِ يا بانياس"... فما يدرون أيَّ مدينة يضربون ولا يعرفون كيف يتحركون، لأنهم كلما ضربوا مدينة جديدة ثوَّروا على أنفسهم المزيد؛ كانت المدن والبلدات والقرى الغاضبة خمساً فصارت عشراً، ثم صارت عشرين، ثم أربعين وستين وثمانين، وكل يوم ينفجر منها المزيد.

يوم الجمعة الماضي خرجت في باب الحديد في حلب الشهباء مظاهرة كبيرة لم تلبث جموعُ الأمن الحاشدة أن فرّقتها بعنف شديد، فدمشق وحلب هما رأس الجسد وقلبه، وسوف يدافع النظام عن نفسه فيهما ويدفع ثورتهما بكل ما أوتي من قوة وجبروت، لكن الإعصار القادم سيفوق كل ما يملكه من قوة ومن جبروت. فرقت قوات الأمن المظاهرةَ بعد انطلاقها بقليل، لكنها عاشت مدة تكفي لنسمع هُتافَها: "بالروح بالدم نفديك يا بانياس"، "وين النخوة وين؟"، "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد".


نعم، نحن جسد واحد ولن نسمح بتقطيع الجسد إلى أوصال؛ لن تأكلوا ثورنا الأبيض بعد اليوم!

مجاهد مأمون ديرانية


رِسَالَة في بريدي مِنْ : Eah .. Bsh - كندا