30‏/10‏/2011

163 - الحَجُّ عِبَادَةٌ ثَوْرِيَّة



الحَجُّ عِبَادَةٌ ثَوْرِيَّة

د. ديمة طهبوب

لقد جاء الإسلام كثورة على مألوف ما اعتاده البشر من قبل في أديانهم سواء من الرهبانية النصرانية أو الشعور بالفوقية و الطغيان الذي مارسه اليهود على غيرهم من الأمم أو التخليط الوثني الذي عاشه العرب في جاهليتهم .


جاء الإسلام دينا تكامليا يجمع بين الدين و الدولة و العبادات و المعاملات، و لم يرض بأن يكون المرء قديسا على سجادة الصلاة و إبليسا بين الناس، بل جعل من شروط كمال العبادة أن ينعكس أثرها في حياة الإنسان و لا خير في عبادة لم تنه المرء عن الفحشاء و المنكر .


و لقد ثار الإسلام على العادات و التقاليد و الأحساب و الأنساب التي كانت تقدم أناسا و تؤخر آخرين، و جعل النسب و الحسب الوحيد المعتبر هو حسب التقوى و نسب العبودية للرحمن .


و قد علم الله سبحانه أن النفس الإنسانية تألف حتى العبادة و تعتاد عليها و لا تعود تؤثر فيها كما ينبغي فلوّن الله لعباده الطاعات لكي ينفض عن النفس غبارها و يحرك مياه القلب الراكدة، فالوقوع في فخ العادة و السكون إليها هو أسوأ مرض قد يصيب قلب الانسان و عباداته .


و من رحمة الله أن جعل لعباده مواسم و دورات تدريبية تخلع عنهم قيود الحياة و تعيدهم الى لحظة الصفاء و الولادة الأولى فيذكرون الأمانة التي حلموها و الشهادة التي أقروا بها لله قبل أن يتخلقوا في ظهور آباءهم، و يتعلمون خلالها الصبر على المشقة و على معاملة الخلق و جمال الرحمة مع الجماعة، و أعظم هذه المواسم موسم الحج و أيامه العشر التي أكمل الله فيها الدين فنزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا" و هذا الكمال رسالة للمسلمين أن لا يرضوا بالنقيصة و الدنية في دينهم و لا يرضوا بالهوان و الذل لأنفسهم بعد أن بلغ الدين أشده و النصر تمامه .


و في استطلاع للأراء في أحد المواقع الالكترونية ربطت النساء ببصيرة نافذة بين الحج و مفهوم الثورة و كان مما ذكرنه أن " الحج لغةً القصد و بهذا يكون من الضررورة وجود رؤيا وهدف واضح للثورات وأن تكون كلها لله رب العالمين للنهوض بالأمة، و أن موسم الحج انفكاك من قيود الدنيا وعبوديتها توجها الى الله اما الثورات فهي انفكاك من قيود الظلم واستعباد الحكام واستبدادهم انطلاقا نحو الحرية، و الحج في شهر حرام يحرم فيها سفك الدماء و الأنظمة الطاغية تستبيح دماء الثوار،ودم المسلم على المسلم حرام، و الحج ثورة على المعاصي والربيع العربي ثورة على الظلم، و في الحج يلتقي الناس كلهم سواسية و ذلك يشبه التقاؤهم جميعا مهما اختلفت اتجاهاتهم وطبقاتهم في المسيرات والميادين لهدف واحد، و كثيرون يخرجون للحج ولكل غاية ولكل نية ولكل هدف لكن المناسك واحدة والقبلة واحدة والوجهة واحدة منهم من ينال مبتغاه ومنهم من لا يناله ومنهم من تقبل حجته ويغفر له ومنهم من يرجع بخفي حنين، و كذلك الأمر في الثورات العربية فكثيرون يخرجون ولكل غاية ولكل نية ولكل هدف لكن على الحاكم والنظام واسقاطه يجتمعون، منهم من ينال مبتغاه ومنهم من يستشهد ويقبل ومنهم من يموت فطيسا ومنهم من خروجه كقعوده، يخرج للحج من استطاع اليه سبيلاً والثورات يخرج اليها من لم يجد سواها بديلاً،بعد عرفة نكبر للعيد و بعد سقوط الحكام نكبر للنصر" و طالبت المستطلعات بتثوير خطبة عرفة لتلامس هموم و طموحات المسلمين و تخرج عن التكرار الممجوج في كل سنة، أما في باب التندر فقالت النساء" الحجاج يودعون الناس لأنهم قد يخرجون و لا يعودون و كذلك من يخرج في صف المعارضة في الثورة قد ينتظره نفس المصير، و الحج يرحل بالذنوب و الثورات ترحل بالكراسي،و في الحج يضحي الحجاج بالخراف وفي الثورات العربية يضحي الحكام بشعوبهم، و الحكام الطغاة مثل الشيطان مهما رجمتهم يظلون يعكرون عليك حياتك" .


هذه الرؤى جميعا تثبت أن لا انفصال بين الدين و الحياة و أن العبادات هي الوقود الذي يذكي سير المرء في حياته و يقومه و يجعل له بوصلة تسترشد بنور الله .


هي فرصة للمقيمين من غير الحجاج أن يمارسوا روح المناسك في الارتحال الى الله و تجريد مقاصدهم اخلاصا له و إقامة الحدود و الشعائر لإدارك الغاية العظمى برضى الله و مغفرته و إقامه شرعه و الانتصار على شياطين النفس و الدنيا .

من موقع : (البوصلة)