19‏/03‏/2009

78 - بِأَيِّ ذَنْبٍ فُِصِلَتْ؟!

بِأَيِّ ذَنْبٍ فُِصِلَتْ؟!


شاءت الأقدار أن تتزوج ولما تنهي الصف العاشر بعد، لكنها أصرت على مواصلة التعليم، وكان العام 2001 مميزا في حياتها، فالانتفاضة التي كانت اشتعلت كالنار في الهشيم في كل الوطن، وزواجها المبكر، قد أضرما في أعماقها نيران التحدي، والإصرار على الوصول، وقد تحقق لها ما أرادت، فأنهت الثانوية العامة، وحصلت على المرتبة الثانية في الفرع العلمي على مستوى الوطن، بمعدل 99%.

كانت الفرحة عارمة، وتُوجت بأن ألقت كلمة المتفوقين أمام الراحل الرمز أبو عمار الذي قدر لها هذا الانجاز، وأنعم عليها بمنحة رئاسية تتكفل بدراستها الجامعية، التي فرضت عليها ظروفها الأسرية أن تكون في الجامعة الأقرب مكانا لها، وبما توفر فيها من تخصصات.

درست الرياضيات، وتخرجت بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وتقدمت للعمل في سلك التعليم في العام 2006، وتم قبولها للعمل بعد أن اجتازت امتحان القبول والمقابلة، وأتمت كافة الإجراءات حسب الأصول، وحصلت على موافقة الجهات الأمنية المختصة، فهي لا تنتمي لأي فصيل سياسي، وكل همها هو رعاية بيتها، وتوفير الحياة الكريمة لأطفالها.


بدأت حياتها المهنية كمعلمة ومربية أجيال، بجد ونشاط وأمل، وهل هناك أقدس من مهنة التعليم مهنة الأنبياء والمصلحين؟ وهل هناك فرصة بتغيير الواقع، وتجاوز الأزمات إلا من خلال التعليم والوعي؟! تفانت في عملها، وأخلصت لرسالتها، فأحبتها طالباتها، وزميلاتها، ومديراتها، ومحيطها وكل من تعامل معها.


أنهت السنة الأولى في التعليم، لتتبعها الثانية، ثم دخلت في الثالثة، وفجأة ودون مقدمات، جاءها النذير، كتاب مرقوم، وبتوقيع الوزير ممهور، يطلب منها الرحيل، دون أن يشكرها على ما قدمته كل هذه السنين، بحجة أن الجهات المختصة لم توافق على التعيين.


التقطت أنفاسها غير مصدقة، وغابت في نوبة تفكير عميق. ذرفت دمعة، ثم سلمت ما بعهدتها ورحلت، والأفكار تغشاها من كل حدب وصوب، تتساءل في نفسها:

لِمَ رَفَضَتْنِي الجِهَاتُ المُخْتَصَّةُ ؟!

وما كنت مقصرة، ولا سارقة، ولا كاذبة، ولا خائنة، ولا متمردة، ولم أكُ بغيّا.

مَا الحُرِّيَّةُ وَمَا الكَرَامَةُ ؟!

وماذا يعني العدل، والى ماذا يشير الإنصاف، وأين هي حقوق الإنسان، وقوانين العمل، وأخلاقيات المهنة، والأمن الوظيفي! ماذا فعلت بنا الفتنة والتناحر الداخلي؟ وأين وصلنا؟ أي مجتمع نريد؟

وَإِلَى أَيْنَ نَحْنُ ذَاهِبُونَ ؟!

نزل الخبر على المدرسة التي تعمل بها كالصاعقة، وساد صمت القبور للحظات. بكت الزميلات، وأضربن لسويعات، وتلقين التهديدات، ثم التنبيهات، وتظاهرت الطالبات، وانتشر الخبر في الحارات والمنتديات، وتناقلت الفضائيات، فهبت الأجهزة تسأل عن المحرضين والمحرضات، وهرعت مسؤولة التربية تتوعد وتنذر المتضامنات، فتقدمت منها ثُلّة من المعلمات، وبهدوء سألن: هذه التي رحلت،

قُولِي بِرَبِّكِ بَأَيِّ ذَنْبٍ فُُصِلَتْ ؟!

الكاتب: د. عبد الله صادق

منقول: وكالة مَعًا الإخْبَارِيَّة : " أقلام وآراء "

القصة أعلاه منقولة حدثت قبل أسبوع لإحدى زميلات أختي عدلة الشرباتي في مدرسة السيدة سارة الثانوية للبنات / الخليل/ فلسطين

الأربعاء, مارس 18, 2009 6:13:00 م

نشر في وَكَالَة " معا " الإخبارية أمـــس الساعة http://www.maannews.net 19:57

ودمتم غير مفصولين من رحمة الله

حنان