27‏/04‏/2008

31 - قِصَّة عَنِ التَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِ

بسم الله الذي جعل قلوبنا تنبض بحبه و بحب من يحبه ..
اشواقي الحارة للجميع و للخالة العزيزة حنان تحديداً ..


قرأت قِصَّة هَادِفَةً عَنِ التَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِة عن التشاؤم و التفائ

أحببت مشاركتكم بها ..


"في وسط زحام المدينة و في صباح يوم جديد حيث الشمس تسطح في سماء صافيه و العصافير تغرد و تحلق في ذلك الجو المشمس الجميل و حيث الناس يسيرون بحثاً عن لقمة العيش الرغيد استوقفت رجلا أبيض اللباس دون شعور مني أو إدراك

قلت له على الفور : ألم يسبق أن التقينا قبل الآن ؟

رد بسخرية و لامبالاة : ربما في أحلامك الحمقاء .

قلت له دون غضب و دون انزعاج : و ما أدراك أنه في الأحلام ؟ لما لا يكون في واقع قبل اليوم و قبل الآن ؟

رد هو باستغراب : و ما الذي دفعك إلى هذا السؤال ؟

قلت له : لأني أعرفك منذ زمان و لكن لا أعرف المكان .

رد هو باستهزاء : ربما فوق السحاب أو تحت أعماق البحار أو ربما في أعشاش الطيور تحت ظلال الأشجار أو بين الزهور في البساتين الغناء أو في أي مكان تحلم به فتاة حمقاء بالحب و الهيام !!!!

قطبت و شعرت أن عيناي تدمعان فقلت له بانزعاج : و لما تنعتني بالحمقاء ؟

رد هو بقسوة و استبداد : لأنك تعيشين بالأحلام و الخيال دون أدراك للواقع و قسوة الأقدار .

قلت له باستفسار : و ما العيب في الأحلام ؟

رد بنفس القسوة و الانزعاج : لأنها لا ترى الدمار المنتشر في كل مكان و لا ترى قتل الأبرياء و لا ترى الظلم و الاستبداد و لا ترحم المعاق ولا تطعم الجائع أو تسقي العطشان و لا ترحب باليتيم أو حتى تقبل بالفقير .

ارتعدت من هذا الحديث القاسي و الواقعي الغير كذاب .

أمسك بي و أشار إلى وجوه البشر و قال : أنظري إليهم ، أنظري إلى عيونهم . هل ترين الحب ؟ هل ترين الأمل ؟ هل ترين الشعور بالأمان ؟ هل ترين التفاؤل و الأقدام ؟

سكتت و لم استطع الكلام من جراء ما سمعته من حقائق تنتشر في كل مكان .

أكمل بعد أن أطلق تنهيده : هذه هي الحياة أنها الأمل الكذاب و الوعد على لسان الخوان و الفراغ التافه الذي نعيشه حتى الآن .

نظرت إليه و عرفت مدى المعاناة و مدى الحزن و الآلام .

قلت له بعد صمت احتوانا نحن الاثنان : هل لي بسؤال ؟

رد بأسى يشوبه غضب و إنكار : و ما أهمية هذا السؤال ؟

قلت بإصرار لم أعهده بي قبل الآن : هل تعلمت القسوة من الحياة ؟

نظر ناحيتي بدهشة و استغراب ثم قال : ما الذي تريدينه الآن ؟

قلت له بكل إيمان مني بالحب و الحياة :

أنت ترى الدمار المنتشر في كل مكان لكنك لا ترى المحاربين الشجعان للحق في وجه الطاغوت المحتال

أنت ترى قتل الأبرياء لكنك لا ترى أنهم ماتوا بعد أن قالوا كلمة الحق و قاتلوا العدوان

أنت ترى الظلم و الاستبداد لكنك تنسى عدالة رب السموات و الأرض الواحد القهار

أنت ترى المعاق لكنك لا ترى سعيه بالحياة و لو كان بعكاز

أنت ترى الجائع و العطشان لكنك لا ترى صبره و عزته عن المذلة من أجل قوت الحياة

أنت ترى اليتيم كالمحتاج للعطف و الحنان لكنك لا تعلم أنه يؤمن بقضاء الله و قدره في جميع الأحوال

أنت ترى الفقير بفقره لكنك لا تستطيع أن ترى غنى نفسه و علو كبرياءه و كرامته

أنت لا ترى بالشمس إلا حرارتها و تنسى نورها

أنت لا ترى بالغيوم إلا كآبتها و تنسى أمطارها

أنت لا ترى بالبحر إلا غدره و تنسى أمواجه و عطاياه

أنت لا ترى بالحياة إلا ظلمتها و تنسى نورها و أنوارها .


قال بعد أن تسلل اليأس إلى قلبه :

لا أرى ما تقولين ألا في الأحلام التي تعيشينها ، فالحياة التي تتكلمين عنها لا توجد إلا في مخيلتك الغبية .

حدقت به مطولا ثم قالت بعد أن وصلت أفكارها إلى مرساها : أتعلم لقد تبين لي أمرا !!!

نظر إليها بلامبالاة متناهية .

فأردفت : لست وحدي حمقاء بل أنت أحمق أيضا !!!!

نظر إليها مقطبا : و كيف لكِ أن تقولي هذا ؟

ردت عليه بكل شجاعة و جرأة : أنت تعلم أنك أحمق و تهرب من ذلك بالتشاؤم في الحياة ، تظن أنها الطريقة الوحيدة للنجاة ، لكن لا أنت مخطئ فليس التشاؤم هو الحل أبدا .

نظر إليها و أخذ يراجع أفكاره و كأنه أيقن أن ما تقوله صحيح و أنها كشفت له واقعه المرير .

قالت له لتختم كلامها : الآن تذكرت أين التقينا ها هنا ، أشارت إلى قلبه ثم أكملت : لكن أنا أخذت مكان النور و أنت اهتديت إلى الظلام فلا تقبع به كثيرا فلن تستطيع الخروج منه قبل أن يقتلك .

ذهبت عنه و أكملت طريقي تاركة خلفي من أتخذ من سوء الأقدار حياة له ."


منار فليفل - السعودية

* * * * *